من علّمني حرفًا صرت له عبدًا.. فهل هكذا نكافئ من علّمونا؟

في جنازة مهيبة بمدينة الخميسات، شيّعت، ظهر اليوم، أستاذة شابة كانت تشتغل بمدينة أرفود، بعد أن راحت ضحية اعتداء جسدي غادر، خلّف صدمة كبيرة في الوسط التربوي والمجتمعي على حد سواء. الحادث ليس مجرد واقعة معزولة، بل عنوان صارخ لحالة من الانهيار القيمي الذي بدأت تعيشه مؤسساتنا التعليمية ومحيطها.

والدة الأستاذة، التي ما تزال تحت هول الصدمة، لم تستطع الإدلاء بأي تصريح، مؤكدة بصوت مختنق: “لازلت غير مستوعبة ما وقع لابنتي”، في حين أن والد الأستاذة نقل إلى المستشفى بعد الجنازة نتيجة أزمة صحية ألمّت به. شهادة قوية جاءت من خالتها، وهي سيدة تقطن بمدينة الراشيدية المجاورة لمدينة ارفود التي كانت تعمل فيها الاستاذة هاجر ، حيث قالت: “كانت متفانية، مجتهدة، وتعمل بضمير مهني حي. لم تكن تبحث عن شيء سوى أن تؤدي رسالتها التعليمية بصدق وإخلاص.”

ورغم ما رُوّج في بعض صفحات التواصل الاجتماعي، فإن الجاني لا يبلغ من العمر 21 سنة كما يُشاع، بل 28 سنة، حسب ما أكدته خالتها أيضًا، مما يفنّد كل محاولة لتبرير الجريمة باندفاع مراهق أو شخص غير راشد. نحن أمام شاب ناضج، عاقل، ارتكب فعلًا إجراميًا كاملاً، يستوجب المعالجة الأمنية والاجتماعية الحازمة.

اليوم، هذه الجريمة يجب أن تُقرأ في بعدها المجتمعي، قبل أن تكون مجرد ملف جنائي. لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور أو ينهض دون احترام المعلم. فحين يسقط احترام نساء ورجال التعليم، تسقط المدرسة، ويسقط معها جيل بأكمله. من واجبنا كأسر، كفاعلين، كجيران، كأفراد، أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع هذه الفئة، وأن نكون سندًا لها داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، لأن العنف ضد الأستاذ هو عنف ضد مستقبل أبنائنا.

إن ما حدث يُحتم التحرك العاجل، بشكل منظم، من أجل خلق آليات تحصّن الجسم التربوي من كل تهديد. ومن بين المقترحات العاجلة: الترافع من أجل تأمين قانوني ومهني صارم يحمي الأستاذ داخل وخارج المؤسسة، إحداث لجان لليقظة داخل المؤسسات، بتنسيق مع الأطر الإدارية والجمعيات الشريكة، تنظيم حملات تحسيسية مشتركة مع المجتمع المدني والأسر حول احترام هيئة التدريس، والمطالبة بتوفير مواكبة نفسية للأساتذة ضحايا العنف والتهديد، من طرف وزارة التربية الوطنية.

هذه الجريمة المؤلمة ليست فقط جرحًا في جسد التعليم، بل اختبار لقيمنا كمجتمع. وإذا لم تتحول هذه اللحظة إلى محطة مراجعة شاملة، فإن القادم قد يكون أخطر.

رحم الله الأستاذة، وجعلها من الشهداء، وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى